.
إصدار مجموعة شعرية بعنوان
"مذكرات رجل مسافر فوق اليم والياسمين"
لعبد الحميد سحبان
بالإضافة إلى الكتابة في القصة القصيرة التي تمثل قصة "النحس" المنشورة بجريدة الاتحاد الاشتراكي سنة 1982 أوائل النصوص القصصية المنشورة للقاص عبد الحميد سحبان، والكتابة في لون الرواية التي كانت رواية "الهجرة المعكوسة" التي صدرت له سنة 1999 أول تجلياتها، وفضلا عن كثير من المقالات المختلفة في مجالات متعددة كالقانون والسياسة والاقتصاد والفن التشكيلي كآخر مجال مطروق من طرف الكاتب، بالإضافة إلى كل هذا وذلك، صدرت له مؤخرا مجموعة شعرية بعنوان "مذكرات رجل مسافر فوق اليم والياسمين" سنة 2013.
كانت هذه المجموعة جاهزة للطبع منذ سنة 1992، لكن قرار نشرها تأخر كثيرا بالنظر إلى موقف شخصي للمؤلف تلخص في التخوف من عدم التميز وسط كثرة الإصدارات الشعرية التي كانت تعرفها الساحة الثقافية العربية والمغربية آنئذ، لكن، وبعد الوقوف على أن للشعر دورا لغويا ثابتا يدخل في باب إثراء وإغناء اللغة العربية، كان قرار النشر أخيرا أملا في خدمة لغة الضاد.
استُهلَّت المجموعة الشعرية بالعبارة التالية :
رحلتي مع الشعر...
طويلة...
وهبتها نفسي...
وكل ما أملك.
وبالفعل، فإن رصيد الكتابة الشعرية يفوق بالكثير ما تم تحصيله من طرف الكاتب في باب النثر، وهناك أعمال شعرية متعددة قرر الإفراج عنها أخيرا، منها على الخصوص نص يدخل ضمن الشعر النثري تحت عنوان : "أنا الذي اتهمني الحب"، سيصدر له قريبا.
لكن التخوف من إدراك سمو القول الشعري الذي كان من بين أهم الأسباب التي أخرت نشر الأعمال الشعرية للمؤلف، يبرز من خلال طيات سطور النصوص الواردة في هذه المجموعة، ولعل أوج هذا الهاجس كان الدافع إلى تزيين الشاعر لغلاف مجموعته الخلفي بنص يلخص هذا التهيب بكل وضوح وتجلي، يقول فيه:
لما انتهى بي اليوم...
منهكا،
كي أفكر.
رأيتني قزما،
يمني نفسه عبثا،
بالتعملق.
قصر أحلامي الشاهق،
لن يستقيم أبدا،
على أرض رملية.
فهل الاستحسان الذي لقيته المجموعة الشعرية من طرف جل من اطلع عليها قبل وبعد نشرها، قد يبدد شيئا من التخوف المستبد بصاحب المجموعة من إدراك سمو القول الشعري المنشود؟...
ـــ الرفض ـ
في غياهب هذا السجن المرفوض،
رأيت شبحا لامرأة ترقص،
بلا نهدين،
ولا رقبة.
عيناها تجحظ في السماء،
عجبا!!!
لا يفزعها صدرها الخالي من الإغراء،
قهقهتْ بصوت مبحوح أخافني...
بفم لوثته المساحيق.
قهقهتها عواء مرعب،
على عنقها المفقود،
علامة الموت،
تختفي في لحظة ..
ولا تعود...
♣♣♣♣♣♣
في غياهب هذا السجن المرفوض،
رتلتُ أنشودة الحرية،
بلحن جنائزي.
لطخت وجهي بمسحوق أسود،
فرأيتني عبدا عاقا،
قاتلا لسيده،
والخنجر لا يزال بيدي...
يسيل زيتا...
لعلبة سردين قديمة،
أكلتها رغما،
فوق مرقده...
حفرته بيدي،
أخرجت بطن خبز جاف،
اشتريته بدرهم سوداء...
كانت لي
قبل مولده.
♣♣♣♣♣♣
في غياهب هذا السجن المرفوضْ،
قررت أن أفر ...
دون أن أفرْ،
فررت بروحي بعيدا
سعيدا...
حيث تريد،
وبقيت بجسدي حزينا،
حيث أنا،
تخنقني الجدارن،
تنهشني الأدران.
القنيطرة 27/1/1990
( نص من المجموعة الشعرية
"مذكرات رجل مسافر فوق اليم والياسمين"
لعبد الحميد سحبان )